المركز الإعلامي
دموع أب
بقلم: يوسف رزق – منسق خدمات المستفيدين.
لا يغفو قلب الأب، إلا بعد أن تغفو جميع القلوب..
حينما ترى الرجل باكيًا فاعلم أنه قد وصل إلى مرحلة قصوى من الألم، والوجع، وقلة الحيلة.
لا يصل الرجل إلى مرحلة البكاء بسهولة، هي آخر مراحل الأسى، ونهاية محطات الألم، وحينما يصل إلى هذه المستوى من الألم فهذا يعني أنه قد استنفذ كل ما لديه، كل ما لديه تمامًا.
ليست الحالة الأولى التي أرى فيها رجلًا يبكي، كل تلك الحالات المشابهة التي مرت عليَّ هنا أثرت فيَّ تأثيرا بالغًا، لكن هذه الحالة كانت أشد على قلبي تأثيرا، وأعظم وقعًا!
لا أدري لعل ذلك يرجع لكوننا – أنا وهو – لدى كل منا في أسرته حالة من ذوي الإعاقة، وكلتاهما بنتان!! لعل هذا التعاطف يرجع لاشتراكنا في نفس الشعور.. ربما!!
أخبرني أن ابنته سقطت من ارتفاع شاهق حين كان عمرها خمس سنوات، كتب الله لها النجاة من موت محقق، إلا أنها أصيبت إصابة بالغة، نتج عنها نوبات صرع مستمر ينتابها باستمرار.
هي اليوم فتاة في ريعان الشباب، أخبروه ألّا علاج لها إلا الأدوية التي من شأنها أن تخفف نوبات الصرع، ولكنها لا تنهيه.
قال لي أنه عاجز عن توفير هذا الدواء لها، وعندما أخبرني عن عجزه أجهش بالبكاء حتى انتحب، حاولت التماسك، اقتربت منه وربت على كتفه. قال لي وكلماته تخالط دموعه، وصوته لا يكاد يفهم من البكاء: أنا وأمها مريضان أيضًا، ونحتاج إلى دواء شهري، غير أننا نقدم دواءها على دوائنا، ونؤثرها على نفسينا، ثم أردف: أتدري، أنا لا يحزنني مرضها، فذاك قضاء الله وقدره، ما يحزنني أن أقف عاجزًا عن توفير دوائها.. وهذا يقتلني!!
في نهاية كل شهر يزورني ذلك الرجل الستيني، يأتي ليأخذ ثلاث وصفات طبية من برنامج دواء المحتاج، له ولزوجته وابنته.. انتهى ذلك العجز الذي أوصله إلى البكاء، وهو الآن حينما يدخل مكتب الاستقبال بالجمعية يدخله مبتسمًا، ويخرج منه مبتسمًا.
ما أجمل أن تمسح دمعة، وترسم بدلها ابتسامة دائمة.. ذلك هو النجاح بمقياس الإنسانية.
راسلنا
نسعد بتواصلكم واستقبال الاستفسارات أو الشكاوي والملاحظات